الوقف الإسلامي دوليًّا أسسه ومتطلباته

الحمدلله والصلاة والسلام على نبيه المصطفى وآله وصحبه ومن به اقتدى، وبعد. فإن السعي الحثيث إلى نهضة الأمة وإعادة مجدها، والخروج من التخلف والتخبط الاجتماعي لا يأتي إلا من خلال إعادة صياغة عقل المسلم على أساس القيم الإسلامية الأصيلة، ليستلهم الحلول الناجعة من تراثنا الحضاري القائم على الأصالة والإبداع في إطار مبادئ الشريعة الإسلامية السمحة، ومن ثم الاستفادة من تجارب الأمم الأخرى ومنجزاتها الحضارية، إذ إن الأمم لا تتطور ولا تتقدم إلا عندما يصبح لديها الاستعداد الذاتي والثقة بقدراتها والاستفادة من تجاربها الناجحة اجتماع ي ا في ظل تراثها الحضاري، حتى تستطيع حل معضلاتها الاقتصادية وأزماتها الاجتماعية التي لا يمكن أن تحلها عبر الحلول المستوردة. وفي هذا الإطار يمكن للأمة الإسلامية أن تحل كث ر ي ا من أزماتها أو تخفف من حدتها، وتخرج من مظاهر التخبط والضعف في المجالات الاقتصادية والاجتماعية، بل يمكن أن تعيد إسهاماتها الاجتماعية والإنسانية دول ي ا إذا أحيت فقه الوقف الإسلامي ومبادئ التضامن الإنساني. وإذا كان نظام الزكاة قد حظى اهتمام الفقهاء قدي ر ما وحديث را من خلال البحث عن أوعيتها ومصارفها، وحظيت في وقت مبكر من هذا العصر فكرة المصارف الإسلامية وتشجيع الهيئات والمؤسسات التي تعمل في النظام الاقتصادي اللاربوي الشيء الكثي، حيث عقد لها عشرات من المؤتمرات الفقهية والحكومية، ورصد التطوير فكرتها وترسيخها أموالار طائلة، مما ساهم في نجاحها الباهر أمام المؤسسات الربوية، فإن اهتمام الوقف الإسلامي وإحياء فقهه وتطوير آلياته لم يكن في المستوى اللائق بهذا النظام الذي كان يمثل لعصور طويلة الحل الأمثل لحمل الأعباء والخدمات الاجتماعية التي تعجز الأجهزة الحكومة اليوم على تلبيتها. وإذا كان الوقف هو نوع خاص من التبرع والصدقة التي يكون هذا الاستمرار على فترة من الزمن، يمكن أن تمتد إلى سنين وقرون ويعرَّف بأنه "تحبيس الأصل وتسبيل الثمرة") ( فإن المطلوب اليوم هو أن يبرز المجالات التي ينبغي أن تشمل عليه عميلة تسبيل الثمرة، أي ثمار العين المحبوسة أو الموقوفة، وذلك من خلال التركيز على المقاصد الشرعية من هذه المصارف وأهميتها الاجتماعية والدينية. والوقف يعتبر قربة من القربات وعبادة من العبادات في نظر الشريعة الإسلامية، وهو دليل يؤكد على عظم إيمان الواقف ورغبته في الخي ومحبته لبني الإنسان عامة وإخوانه في الدين خاصة