الخطاب الصوفي وإشكالاته التواصلية ـ الطريقة التجانية أنموذجا ـ

التصوف هو زهد في متاع الحياة الدنيا والاكتفاء منها بما يسد الرمق ويستر الجسد، وحمل النفس على الإكثار من العبادات والانشغال الدائم بذكر الله حتى يفوز العبد بالجنة التي وعد الله بها المتقين، غير أن بعض الصوفية بالغ في الزهد حتى تضاءلت في موازينه الجنة، وصارت عبادته محبة لله ؛ لأنه أهل للعبادة. ولما سيطرت محبة الله على قلب المتصوف وامتلأت بها جوانحه، استشعر حضور الله الدائم في قلبه، وتماهيه فيه، ومن هنا انبثقت فكرة وحدة الوجود التي تنسب لمعتقد الصوفية. وقد كان لتأثر الثقافة العربية بالثقافات الأخرى كالهندية والفارسية واليونانية دور في إثراء هذه الرؤى وتوسيع ظلالها مما حدا بها إلى إدخال أفكار جديدة ومصطلحات غريبة كالقطب والأوتاد والنقباء والأبدال . كما كان لمأساة أهل البيت وما وقع لهم من قهر واضطهاد على أيدي الأمويين والعباسيين دور خطير في إذكاء مشاعر الأسى والحسرة في قلوب هؤلاء المتصوفة مما جعلهم ينكفئون على أنفسهم ويزدادون فرارا من حياة لا مكانة فيها للحق والعدل إلا بحبل من الله وعنايته بعباده المتقين، وذلك من خلال تهيئة صفوة من خلقه ـ حسب ما هو شائع في ثقافة أهل التصوف ومن والاهم ـ ليسوا بأنبياء ولا بمرسلين، إنما أولياء نادوا بأن الله يُجري الخير في الدنيا على أيديهم ويكرم من اتبع منهجهم(طريقهم) بجنات النعيم في الآخرة، وهذا ما تنافس فيه شيوخ الطرق الصوفية أيما تنافس، ومنهم شيخ الطريقة التجانية الذي كثر الجدل حوله، وكانت طريقته من أكثر الطرق تعرضا لانتقادات شديدة بلغت عند بعض الطوائف درجة التكفير ولا سيما الحركة السلفية، تصيب مرة، وتخطئ مرات كثير